Advertise Here

ALL BOOKS

- Another Blogger Blog's

Your Ad Here

أن يُؤمل العبد أنه إذا استغفر غفر الله له , وأنه إذا تاب قبل الله تعالى توبته , وأنه إذا دعا الله تعالى أجابه إلى دعائه , وأنه إذا استكفى الله تعالى وطلب منه الكفاية كفاه الله سبحانه وبحمده "

" أن يُؤمل العبد أنه إذا استغفر غفر الله له , وأنه إذا تاب قبل الله تعالى توبته , وأنه إذا دعا الله تعالى أجابه إلى دعائه , وأنه إذا استكفى الله تعالى وطلب منه الكفاية كفاه الله سبحانه وبحمده " by Faleh Zahrawi فالح الزهراوي.
له سبحانه وبحمده له الفضل والإنعام، إذا استحضر العبد هذه المعاني وأن كل نعمة من الله تعالى وكل خير منه راقب ذلك من جهته، لم يلتفت يمنةً ولا يسرة .
قال القاضي عياض في معنى حسن الظن بالله : " أن يُؤمل العبد أنه إذا استغفر غفر الله له , وأنه إذا تاب قبل الله تعالى توبته , وأنه إذا دعا الله تعالى أجابه إلى دعائه , وأنه إذا استكفى الله تعالى وطلب منه الكفاية كفاه الله سبحانه وبحمده ". بهذه الصفات يظهر حسن ظن العبد بربه .
أيها الأحباب: ما الذي يزرع في قلوبنا حسن الظن بالله تعالى ؟ ما الذي يزرع في قلوبنا حسن الظن به سبحانه وبحمده؟ إن أعظم ما يلقي في قلوبنا حسن الظن بالله تعالى أن نعرف ما له جل وعلا من الكمالات: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾(1) سبحانه وبحمده ، وقد قال سبحانه وبحمده: ﴿وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى﴾(2). اقرأ كتاب الله جل وعلا تجد أن كتاب الله تعالى مليءٌ بصفاته، مليءٌ بالأخبار عنه، مليءٌ بجميل أفعاله سبحانه وبحمده . اقرأ هذه المعاني، فإنك كلما ازداد علمك بالله تعالى ازداد حسن ظنك به، فإن القلب الذي امتلأت أرجاؤه بهيبة الله تعالى وسطع فيه نور الإيمان ، وملئ بالتقوى والإحسان ، وخالطته بشاشة الإيمان والعلم بما لله تعالى من الكمالات لا يمكن أن يسيء ظنه بالله تعالى، بل إنه لا يجدُ إلا إحسان الظن به سبحانه وتعالى :
الحمد لله ملء الكون أجمعه
ما كان منه وما من بعده يأتي


فالخير كله بيديه سبحانه وبحمده، لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع. إن أعظم ما يورث العبد حسن العمل وصدق الرغبة فيما عند الله تعالى وحسن الظن به أن يقرأ أسماء الله تعالى وصفاته، أن يطالع ما أخبر الله تعالى به عن نفسه، فإن ذلك مما يملأ قلبه بتعظيم ربه جل وعلا .
يا إخواني: إن الله سبحانه وبحمده أخبر في في غزوة الأحزاب وهي الغزوة التي زُلْزِلَكتابه الحكيم عن موقفٍ كان للصحابة فيها الصحابة زلزالاً شديدًا حتى بلغت القلوب الحناجر ودارت الظنون في القلوب , ، انقسمواختلفت تلك الأوهام وتلك الهواجس التي وردت على قلوب صحابة رسول الله الناس إلى فريقين ، فلما جاء الأحزاب منهم من فرح بمجيئهم وقال كما قال الله تعالى عن عباده المؤمنين : ﴿وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ﴾ (3). هؤلاء أحسنوا الظن بالله تعالى , وإلا فإن اجتماع العرب مع اليهود، تحالف المشركين مع اليهود الذي حاصر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في السنة الخامسة في غزوة الأحزاب أمرٌ عظيم: ﴿ إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ ( ). أمرٌ يزلزل القلوب قبل أن يزلزل الأبدان، فهو أمر مهولٌ عظيم ترتب عليه قلقٌ كبير لصحابة رسول ، لكنهم لما أتى الأحزاب ألقى الله تعالى في قلوبهم السكينة ، فقالوا لماالله رأوا الأحزاب قد اجتمعوا وتألبوا عليهم :﴿ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ-هذا الكرب وهذه الشدة- إلا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً ﴾. في حين أن المنافقين لما أتى الأحزاب ماذا قالوا؟ فرحوا بمجيئهم، قال الله تعالى : ﴿ وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُوراً ﴾( ). أي : إلا أماني لا يمكن إدراكها، لا يمكن تحصيلها، إنها أماني كاذبة، هكذا ظنوا بربهم وظنوا بخبر الله تعالى، فكان عاقبة أمرهم خُسراً .
إنَّ حسن الظن بالله تعالى أيها الأحباب يثمرُ ثمارًا زكية، له عوائد حميدة، له آثارٌ جليلة على العبد، فهو يثمرُ طيب الخصال وكريم الأعمال، يثمرُ شيئًا كثيرًا يلاحظ في قلب العبد وفي قوله وفي عمله .
نستعرض شيئاً من هذه الثمار التي يدركها العبد إذا أحسن ظنه بالله تعالى ولاحظ عظيم حق الله تعالى في إحسان الظن به:
إن حسن الظن بالله تعالى يثمرُ في قلب العبد تعظيم هذا الرب جل وعلا , والتعظيم أيها الإخوة أمر جليل عليه تقوم العبادة ، فإن الله سبحانه وتعالى قد عاتب من صرف العبادة لغيره، من قصر في حقه، فقال جل وعلا : ﴿ مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً ﴾( ). أي: أيُّ شيءٍ يحملكم على أن لا تعظموه جل وعلا حق تعظيمه، أيُّ شيءٍ يحملكم على أن لا تقدروه حق قدره؟ وقد قال جل وعلا في مواضع عديدة من كتابه : ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ﴾( ).
إن من أحسن الظن بالله تعالى سعى جهده في تعظيم ربه , وانفرد في قلبه محبة الله تعالى ، فليس لله في قلبه مزاحم، بل ربه قد ملأ قلبه ، فليس لله في قلبه مشارك، ليس في قلبه إلا الله محبةً وتعظيمًا، خوفًا ورجاءً، إجلالاً وإنابةً، توكلاً واعتصامًا، كل هذه المعاني يمتلئ بها قلب العبد عندما يحسن الظن بربه، عندما يتعرف على هذا الرب الذي له الأولى والآخرة , ولذلك بتعظيم الله تعالى قال تلك الكلمات النيرة: ﴿ مَاذَالما امتلأ قلب إبراهيم فَمَا ظَنُّكُمْ أَئِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ تَعْبُدُونَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾( ). إن هذه الكلمات، هذه الآيات تضمنت من تعظيم الله تعالى الشيء الكثير، فهذا خليل الرحمن يقول لأبيه وقومه : أي شيء ظنكم برب العالمين؟ أشككتم فيه حتى تركتم عبادته وصرفتم العبادة لمن سواه ؟! أو علمتم أي شيء هو حتى جعلتم له شريكاً من الأصنام والأوثان والكواكب وغيرها تعبدونه من دون الله تعالى ؟
إن العبد إذا غفل عن حسن الظن بربه تورط في سيئات عظيمة أعظمها الشرك بالله تعالى، يلي ذلك الغفلة التي تطبق على العبد فلا يدري خيرًا ، ولا يصيب برّاً؛ لأنه لا يحسن الظن بربه، إنما قد أساء الظن بربه , وظن أن الله تعالى غافلٌ عنه , ولذلك يقول الله تعالى في مواضع عديدة : ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾( ). إن هذه الآية لم ترد إلا في موضع واحد، لكن معناها جاء في مواضع عديدة يخبر الله تعالى بعلمه عن كيد الكائدين ومكر الماكرين , وذلك لأن علم الإنسان بأن الله محيطٌ بعمله من حسن ظنه بربه ، ومن غفل عن هذا وظن أنه يخفى على الله تعالى شيء من عمله لم يحسن الظن بربه ، وقد قال الله تعالى عن طائفة من الناس: ﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ ﴾( ) . أي ما كنتم تتحفظون لما كنتم تعصون الله ، وتخالفون أمره، ما كان هؤلاء يتحفظون من أن يشهد عليهم سمعهم ، ولا أبصارهم ، ولا جلودهم، ما أحد في حال معصيته يستتر عن جلده ، أين يفر ؟! هل يخرج من جلده؟ إنه لا يتمكن من ذلك، ما هناك من يستتر من هذه الأمور، يتحفظ من هذه الأمور: ﴿ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾. هؤلاء ظنوا أن الله تعالى لا يعلم كثيرًا من أعمالهم فأساءوا العمل، وهذا ثمرة سوء الظن بالله تعالى .
إذًا ثمرة حسن الظن بالله تعالى : أن يحفظ العبد ربه جل وعلا في الغيب والشهادة ، أن يحفظه في المنشط والمكره، أن يحفظه بين الناس وفي الخلوات، هكذا يكون حسن الظن بالله تعالى ، ولذلك قال الله تعالى معقبًا على ظن هؤلاء الذين أساؤوا الظن به، قال جل وعلا : ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾( ). إن قومًا ذكر الله تعالى في كتابه أنهم أسرفوا على أنفسهم بتكذيب الرسل، أسرفوا على أنفسهم بألوان المعاصي، ثم إنهم مع هذه الإساءة ظنوا أن الله لا يعلم ما يعملون، وأنه لا يعاقبهم على ما يكون منهم، قال الله تعالى في سورة الحشر : ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ﴾( ). أي : ظنوا أن هذه الحصون ستعصمهم من عقوبة الله تعالى، ستعصمهم من أخذه , وهل هذا حسن ظن بالله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية ، الذي هو على كل شيء قدير ؟ الجواب : لا ، إنَّه من أعظم إساءة الظن بالله تعالى أن يظن العبد بربه هذا الظن السيئ .
إذًا من أحسن الظن بربه جل وعلا كان ذلك من أعظم أسباب تعظيم ربه في قلبه , وإذا قام في قلب العبد تعظيم الله تعالى فليبشر، فإن تعظيم الله سيحجزه عن معصية الله تعالى ، سيحمله على طاعة الله تعالى، سيقوده إلى كل بر ، سيمنعه من كل شر .
حسن الظن بالله تعالى يثمر صلاح العمل , وحسن الطاعة لله جل وعلا .
إن حسن الظن بالله تعالى أيها الأحباب : ليس تفريطًا ولا غفلةً ولا إسرافًا على النفس بألوان المعاصي والسيئات .
إن حسن الظن بالله تعالى هو المسابقة , والجِد في تحصيل فضل الله تعالى , ولذلك قال الله تعالى : ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ﴾( ). وقال سبحانه وتعالى : ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ ﴾( ) السابقون إلى الطاعات والإحسان هم السابقون إلى الفضائل والمكرمات في الدنيا والآخرة .
إذًا حسن الظن بالله تعالى يحمل العبد على مزيد عمل؛ لأنه يحسن الظن بربه أنه لا يضيع عمله، أنه جل وعلا لا يخلف الميعاد ، فيقوى طمعه فيما عند ربه , ويعلم أنه ما يسجد لله سجدة إلا وسيجد ثمرتها، ما يقوم لله قومة إلا وسيجد نتاجها، ما يعبد الله تعالى في عبادة ولا يتقدم بحسنة إلا وسيجدها عند ربه: ﴿ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾( ).
إن العبد إذا قام بهذا ترجم حسن الظن، إذاً حسن الظن هو حسن العبادة كما جاء ذلك في بعض الأخبار، كما في جامع الترمذي ومسند الإمام أحمد من قال : (( حسن الظن من حسن العبادة )). لكن هذا حديثٌ أن النبي حديث أبي هريرة ضعيف، إلا أن الذي لا خلاف فيه أن حسن الظن يثمرُ صلاح العمل , وأذكر لكم شاهداً : (( يقول الله تعالى : أنالذلك من الحديث الذي سقناه في أول كلامنا، قال النبي عند ظن عبدي بي )). هذا خبر من رب العالمين أنه عند ظن العبد به سبحانه وبحمده، ثم ما الذي جاء بعد هذا؟ ما الذي ذكره الله جل وعلا بعد هذا الخبر؟ إنه ذكر عملاً : (( يقول الله تعالى : أنا عند ظن عبدي بي ,وأقسام الناس في العمل، فقال النبي وأنا معه إذا ذكرني )). إن الذكر عمل وهو من أجل الأعمال , ومن أعلى ما يكون من فضائل الطاعات , وألوان المبرات التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى: (( إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي , وإذا ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه )). ثم يقول الله تعالى في هذا الحديث الإلهي في بيان تفاوت سعي الناس إلى ربهم، يقول الله تعالى : (( من تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعًا , ومن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا , ومن أتاني يمشي أتيته هرولة )). إذًا هنا تفاوت الناس في العمل بناءً على أي شيء يا أحبابي؟ بناءً على اختلافهم في حسن ظنهم بالله: من أحسن ظنه بالله خرج من ماله وولده وأهله لله رب العالمين يرجو رحمته، يطلب مراضي الله تعالى مظانها ، يصدق في طلب فضل الله جل وعلا، هذا هو الصادق، هذا هو الذي يَبْشِر بعاقبة حميدة؛لأنه أحسن الظن بربه فأحسن العمل .
إن حسن العمل من حسن الظن بالله تعالى، لا يمكن أن يثمر حسن الظن بالله تفريطًا ولا تقصيرًا، إن من ظن أن حسن الظن يعني الإسراف على النفس بالمعاصي فقد أخطأ، وهذا لبس لا بد من كشفه وخلط لا بد من تمييزه , وذلك أن حسن الظن يقترن بحسن العمل، فمن ظن أن حسن الظن يقترن بإساءة العمل فقد أَبْعَدَ النجعة:
سارت مشرقةً وسار مغربًا شتانَ بين مشرِّقٍ ومغرِّبِ
إن حسن الظن بالله تعالى يحمل العبد يا إخواني على الاجتهاد في طاعة الله تعالى، أما الاغترار وسوء الظن بالله تعالى فيحمله على الاجتراء على حقوقه، على انتهاك حرمات الله تعالى , على تعدي حدوده، يدعو إلى البطالة والانهماك في ألوان المعاصي .
قال سعيد بن جبير - رحمه الله - وهو من أئمة التابعين : " من الاغترار بالله المقام على الذنب ورجاء الغفران ". صدق! إن من الاغترار بالله تعالى أن تقيم على الذنب وتصر عليه ثم تقول: سيغفر لي ربي. إن هذا من الاغترار به جل وعلا .
وقد قال بعض أهل العلم رحمهم الله: ما كان أحدٌ أحسن ظنّاً بالله تعالى من رسوله صلى الله عليه وعلى آله ما أخذ مالاً إلا من حله , ولم يضعهوسلم،فماذا كان عمله ؟ كيف كان حاله ؟ إنه إلا حيث أمره ربه جل وعلا، كان مراقبًا أمر الله تعالى في قيامه وقعوده، في سائر شأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، نعم لقد كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم أحسن الناس ظنّاً بربه سبحانه وبحمده ، ومع ذلك كان يقوم حتى تتورم قدماه - بأبي وهو . -كما في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة وأمي
يا ناظرًا يرنو بعيني راقدِ
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي
ونسيت أن الله أخرج آدمًا
ومشاهدًا للأمر غير مُشاهِدِ
درْك الجنان بها وفوز العائدِ
منها إلى الدنيا بذنبٍ واحدِ

يقول الله رب العالمين: ﴿ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَالَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ﴾ (1)الْخَاسِرِينَ
تذكر هذا عند كل إساءة، فإن الله قد أخرج آدم بسبب ذنبٍ واحد .
ونسيت أن الله أخرج آدماً
منها إلى الدنيا بذنب واحدِ

قال خلف بن تميم: قلت لعلي بن بكار وهو من السلف الصالحين :" ما حسن الظن بالله؟ عرف لي حسن الظن بالله ما هو ؟ " .
قال رحمه الله : " حسن الظن بالله: لا يجمعك والفجار دار واحدة ". هذا هو حسن الظن بالله: ألا تجتمع مع من عصى الله تعالى، ألا تكون معهم، فكيف بموافقتهم في أعمالهم ؟ كيف بمجاراتهم على سائر حالهم ؟ فإن حسن الظن بالله يجب أن يقترن بالخوف منه سبحانه وبحمده حتى لا يفضي إلى الغرور , ولذلك كل حسن ظن ليس معه خوف فهو غرور .
يقول أبو سليمان الداراني رحمه الله : " من حَسُنَ ظنه بالله عز وجل ثم لا يخاف فهو مخدوع ". لا بد إذا كان هناك حسن ظن بالله تعالى لا بد أن تخاف الله تعالى؛ لأنه جل وعلا شديد العقاب، وقد قال الله جل وعلا معاتبًا أقوامًا، فقال سبحانه وتعالى :﴿ يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ ﴾( ) وهذا خطاب لكل إنسان . يقول بعض الناس :كرمه، إن الذي غره كرم الله تعالى قد غره الغرور، فإن كرم الله له أسباب وله موجبات، من تعرض لهذه الأسباب أدركها , ومن غفل عنها فاتت عنه , ولذلك لا يُحصِّل العبد بالاغترار بالكرم إلا خبالاً ، بل الواجب عليه أن يسعى , وأن يجتهد في التعرض لأسباب هذه الرحمة، التعرض لأسباب هذا الفضل .
حسن الظن بالله تعالى أيها الأحباب يثمر في القلب صدق التوكل على الله جل وعلا:
أحسن الظن بمن قد عودك
إن من قد كان يكفيك الذي
كل إحسانٍ وسوى أودك
كان بالأمس سيكفيك غدك

فنعم المولى ونعم النصير إذا صدقنا مع الله رزقنا كما يرزق الطير تغدو خماصًا وتروح بطانًا ، تذهب في أول النهار فارغة جائعة ، ليس في أجوافها شيء، ثم تروح وترجع في آخر النهار شبعى من فضل الله وإحسانه ومنه وكرمه جل وعلا .
إن من أعظم أسباب التوكل على الله جل وعلا حسن الظن به عز وجل، فمن أحسن الظن به عز وجل فإنه يصدق عليه أنه قد توكل على الله تعالى .
يقول ابن القيم رحمه الله : " يكون الراجي – أي المحسن ظنه بربه – دائمًا راغبًا راهبًا مؤملاً لفضل ربه حسن الظن به جل وعلا " . فالعبد الذي يحسن الظن بالله تعالى ويصدق في رجائه سبحانه وبحمده قد اغتنى غِنًى لا نظير له، يقول الشاعر رحمه الله :
غنيٌّ فحسن الظن بالله مالُه
عزيزٌ فصنع الله من حوله جندُ

إن حسن الظن بالله تعالى يثمر أيها الأحباب مكارم الأخلاق، يثمر طيب الخصال .
وقد قال ابن عباس - رحمه الله ورضي عنه - : الجبن والبخل والحرص غرائز سوءٍ يجمعها كلها سوء الظن بالله تعالى ، فإنه من أحسن الظن بالله تعالى ورجا ثوابه سبحانه وبحمده , وأيقن أن الأجر عليه كان محسنًا لعمله، مسابقًا إلى طاعة ربه، يرقب الله في كل عمل، إنما يرجو الله تعالى لا يرجو غيره، كما قال الله تعالى في وصف عبادة الأبرار : ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ﴾( ), وكما قال الله تعالى في وصف الصديق : ﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ﴾( ). فسعيه وكدهنِعْمَةٍ تُجْزَى وعمله، ذهابه مجيئه، إنفاقه، قيامه قعوده، كلامه صمته، كله لله جل وعلا، لا يرجو من الناس ﴿ جَزَاءً وَلا شُكُوراً ﴾. ومن كان كذلك فإنه سيخلف الله عليه خيرًا عظيمًا يعطي عطاء من لا يخاف الفقر؛ لثقته, ويبلغه درّاً كبيرًا , وقد كان رسول الله بما عند ربه جل وعلا .
 فسأله غنمًا بين جبلين، فقال النبي جاء رجل إلى النبي :((خذها)). أعطاه إياها ، فذهب هذا الرجل إلى قومه فقال : " أي قوم أسلموا، فوالله إن محمدًا ليعطي عطاءً ما يخاف الفقر". إنه قد وثق فيما عند ربه جل وعلا فامتدت يده بالسخاء، ولم يبقَ فيها إلا ما يرجوه من فضله وإحسانه سبحانه وبحمده .

حسن الظن بالله تعالى أيها الإخوة يثمر الرضا بقضاء الله وقدره، إن العبد في هذه الدنيا لا يمكن أن يسلم من المكدرات والمنغصات، قد قال الله تعالى : ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾( ). فالكبد ملاحق لك، الغصص والأقذار والأكدار وأنواع المؤلمات تحيط بك من كل جانب، لكن ما الذي يعينك على تحمل هذه الأهوال ؟ ما الذي يقوي قلبك على الصبر على هذه الأثقال؟ إنه حسن الظن بالله تعالى، قد قال النبي فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث صهيب : (( عجبًا لأمر المؤمن! إن أمره كله له خير: إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له , وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له )). وهذا لا يكون إلا بعظيم الأمل بالله تعالى، وصدق الرجاء له سبحانه وتعالى، وحسن الظن به سبحانه وبحمده .

0 comments:

Post a Comment